فصل: مَا جَاءَ في قَسْمِ اللَّبَنِ في الضُّرُوعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ:

قُلْت: فَهَلْ تُقَسِّمُ الْوَرَثَةُ الزَّرْعَ في قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَحْصُدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مَكَانَهُ؟
قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يُعْدَلَ بَيْنَهُمَا بِالتَّحَرِّي في الْقَسْمِ جَازَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُقَسَّمُ عَلَى التَّحَرِّي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَاهُ عَلَى أَنْ يَحْصُدَاهُ فَحَصَدَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ حَتَّى صَارَ حَبًّا قَالَ: تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ عَلَى الَّذِي حَصَدَهُ قِيمَةُ مَا حَصَدَ مِنْ الزَّرْعِ، وَيَكُونُ هَذَا الزَّرْعُ الَّذِي اُسْتُحْصِدَ بَيْنَهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا حَبًّا وَيَقْتَسِمَانِ أَيْضًا الْقِيمَةَ بَيْنَهُمَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: في الْقَصَبِ وَالتِّبْنِ إذَا قُسِمَ عَلَى التَّحَرِّي فَذَلِكَ جَائِزٌ فَرَأَيْتُ قِسْمَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ عَلَى التَّحَرِّي جَائِزًا في رَأْيِي.
فَإِذَا تَرَكَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ حَتَّى يَصِيرَ حَبًّا فَقَدْ فَسَدَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هَهُنَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَلَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ هَذَا الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ مُشْتَرِيهِ حَتَّى يَصِيرَ حَبًّا، فَلَمَّا كَانَ هَذَا في الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ، كَانَ أَيْضًا في الْقِسْمَةِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَسَمَاهُ عَلَى التَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَحْصُدَاهُ وَهُوَ بَقْلٌ ثُمَّ تَرَكَاهُ جَمِيعًا حَتَّى صَارَ حَبًّا، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْتَقَضُ وَيَصِيرُ جَمِيعُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ كَيْلًا، وَهَذَا رَأْيِي مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الْبُيُوعِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ وَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ في رُءُوسِ النَّخْلِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَرَدْنَا أَنْ نَقْتَسِمَ بَلَحًا في رُءُوسِ النَّخْلِ وَرِثْنَاهُ أَوْ اشْتَرَيْنَاهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْبَلَحُ كَبِيرًا وَاخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا في ذَلِكَ، أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ الْبَلَحَ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَبِيعَ الْبَلَحَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عَلَى الْخَرْصِ يُخْرَصُ بَيْنهمَا إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْبَلَحَ الْكِبَارَ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ.
قَالَ: وَلَا أَرَى أَنْ يُبَاعَ الْبَلَحُ إذَا كَانَ كَبِيرًا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ في الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ.
وَقَالَ مَالِكٌ في الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَا ذَلِكَ عَلَى الْخَرْصِ فيمَا بَيْنَهُمَا إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ الْبَلَحَ الْكَبِيرَ في الْبَيْعِ مِثْلَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَلَحُ الْكَبِيرُ في الْقِسْمَةِ مِثْلَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَا هَذَا الْبَلَحَ الْكَبِيرَ بِالْخَرْصِ وَخُرِصَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنْ يَجُدَّهُ أَحَدُهُمَا لِيَأْكُلَهُ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَبِيعَهُ، أَمَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا بَيْعَ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ؟
قَالَ: إذَا اقْتَسَمَاهُ في رُءُوسِ النَّخْلِ وَخُرِصَ بَيْنَهُمَا، إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ مُخْتَلِفَةً وَعَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا الْقَسْمِ، وَإِنْ لَمْ يَجُدَّ الَّذِي حَاجَتُهُ إلَى الْأَكْلِ إلَّا بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَتْرُكْهُ حَتَّى يُزْهِيَ وَقِسْمَتُهُمَا بِالْخَرْصِ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا قَبْضٌ.
وَالْخَرْصُ فيهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي حَاجَتُهُ إلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرُّطَبِ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بِالْخَرْصِ، ثُمَّ يَجُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرُّطَبِ كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْبَلَحُ الْكِبَارُ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَا هَذَا الْبَلَحَ الْكَبِيرَ بِالْخَرْصِ وَكَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى الْبَلَحِ مُخْتَلِفَةً، فَجَدَّ وَاحِدٌ وَتَرَكَ الْآخَرُ حِصَّتَهُ حَتَّى أَزْهَى، أَوْ تَرَكَا جَمِيعًا حِصَّتَهُمَا حَتَّى أَزْهَى النَّخْلُ، أَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ جَائِزَةً؟
قَالَ: تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا إنْ تَرَكَاهُ جَمِيعًا حَتَّى أَزْهَى أَوْ تَرَكَهُ أَحَدُهُمَا وَجَدَّ الْآخَرُ.
قُلْت: وَلِمَ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْتَاعَ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا صَارَ لَهُ مِنْ الْبَلَحِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبْتَاعَ الْبَلَحُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَلَى أَنْ يُتْرَكَ حَتَّى يُزْهِيَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَاهُ بَعْدَمَا أَزْهَى وَحَاجَتُهُمَا إلَى مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ مُخْتَلِفَةٌ فَتَرَكَاهُ حَتَّى أَثْمَرَ، أَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا تُنْتَقَضُ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمْ فيهِ يُتْمِرُ وَاحِدٌ وَيَجُدُّ آخَرُ وَيَبِيعُ آخَرُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اشْتَرَى رُطَبًا في رُءُوسِ النَّخْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى يُتْمِرَ، لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ فيمَا بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ أَيْضًا عِنْدِي.
قُلْت: أَرَأَيْت مِثْلَ تَمْرِ إفْرِيقِيَةَ، فَإِنَّهُمْ يَجُدُّونَهُ بُسْرًا إذَا بَدَا قَبْلَ أَنْ يُرَطَّبَ، ثُمَّ يَتْرُكُونَهُ حَتَّى يَتَتَمَّرَ عَلَى ظُهُورِ الْبُيُوتِ وَفي الْأَنَادِرِ، أَرَأَيْت إنْ اقْتَسَمَاهُ بَعْدَمَا جَدَّاهُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ فيمَا بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا اقْتَسَمَاهُ كَيْلًا.
قُلْت: وَلَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ لَيْسَ مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ وَانْتَقَصَ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءً أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرُّطَبَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا اقْتَسَمَاهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ نُقْصَانَ ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
قُلْت: وَيُصْلَحُ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ، رَأَيْتُ أَنَا أَنَّهُ جَائِزٌ إذَا اقْتَسَمَاهُ، ثُمَّ جَفَّ بَعْد ذَلِكَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَارَ تَمْرًا فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَيْضًا مَا كَانَ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَاهُ بَلَحًا صِغَارًا، أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَاهُ عَلَى التَّحَرِّي اجْتَهَدَا حَتَّى خَرَجَا مِنْ وَجْهِ الْمُخَاطَرَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا الْبَلَحُ الصَّغِيرُ عَلَفٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ بَقْلٌ مِنْ الْبُقُولِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ وَفَضَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ فَضَلَهُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِبَلَحِ نَخْلَةٍ بِبَلَحِ نَخْلَتَيْنِ، عَلَى أَنْ يَجُدَّاهُ مَكَانَهُمَا إذَا كَانَ الْبَلَحُ صَغِيرًا.
قُلْت: وَتَجُوزُ قِسْمَتُهُمَا هَذَا الْبَلَحَ وَحَاجَتُهُمَا في ذَلِكَ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى الْبَلَحِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُشْبِهُ الرُّطَبَ بِالرُّطَبِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ وَالْعَلَفِ.
قُلْت: فَإِنْ اقْتَسَمَا هَذَا الْبَلَحَ فَلَمْ يَجُدَّاهُ حَتَّى صَارَ بَلَحًا كِبَارًا لَا يُشْبِهُ الرُّطَبَ، أَيُنْتَقَضُ الْقَسْمُ فيمَا بَيْنَهُمَا وَأَحَدُهُمَا قَدْ فَضَلَ صَاحِبَهُ في الْقِسْمَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا اقْتَسَمَاهُ عَلَى تَفَاضُلٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى إنْ كَانَا اقْتَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى غَيْرِ تَفَاضُلٍ، وَكَانَ إذَا كَبِرَ يَتَفَاضَلُ في الْكَيْلِ، فَأَرَاهُ مَفْسُوخًا، وَإِلَّا لَمْ أَرَهُ مَفْسُوخًا إلَّا أَنْ يُزْهِيَ قَبْلَ أَنْ يَجُدَّاهُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَجُدَّ أَحَدُهُمَا أَوْ يَكُونَا قَدْ جَدَّا، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ بَقِيَ لَهُ في رُءُوسِ النَّخْلِ شَيْءٌ لَمْ يَجُدَّهُ حَتَّى أَزْهَى.
قَالَ: وَإِذَا أَكَلَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ مَا صَارَ لَهُ في الْقَسْمِ، وَأَكَلَ الْآخَرُ نِصْفَ مَا صَارَ لَهُ في الْقَسْمِ، أَيُنْتَقَضُ الْقَسْمُ في نِصْفِ مَا أَكَلَ الَّذِي أَكَلَ جَمِيعَ مَا صَارَ لَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ قِيمَةِ مَا صَارَ لَهُ، فيكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ هَذَا الَّذِي أَزْهَى فيمَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا؟
قَالَ: وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ إذَا اقْتَسَمَاهُ بَقْلًا عَلَى أَنْ يَحْصُدَاهُ فَتَرَكَاهُ حَتَّى أَفْرَكَ أَوْ تُرِكَ بَعْضُهُ حَتَّى أَفْرَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَالِكٍ في الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ حِينَ يَقُولُ: يَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَخْرُصُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى ذَلِكَ مُخْتَلِفَةً، وَقَالَ ذَلِكَ في الْعِنَبِ أَيْضًا.
لِمَ قَالَهُ؟ وَمَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى ذَلِكَ سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفَةً؟
قَالَ: لِأَنَّ الْخَرْصَ عِنْدَ مَالِكٍ كَيْلٌ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى ذَلِكَ الرُّطَبِ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ إلَّا كَيْلًا؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمَا إلَى هَذَا الرُّطَبِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى أَنْ يَبِيعَا ذَلِكَ جَمِيعًا، قِيلَ لَهُمَا بِيعَا ثُمَّ اقْتَسِمَا الثَّمَنَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بُدٌّ مِنْ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بِالْخَرْصِ، وَيُجْعَلُ الْخَرْصُ بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ، فَلَا يَكُونُ الْخَرْصُ في الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمَا إلَى ذَلِكَ وَاحِدَةً، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ الْمَوْضُوعِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَقْتَسِمَانِهِ إلَّا بِالصَّاعِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْعَبِيدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبِيدَ، هَلْ يُقْتَسَمُونَ وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ.

.مَا جَاءَ في قَسْمِ اللَّبَنِ في الضُّرُوعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ:

قُلْت: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْقَسِمَ اللَّبَنُ في ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ، مِثْلُ غَنَمٍ بَيْنِي وَبَيْنَ شَرِيكِي نَقْتَسِمُهَا لِلْحَلْبِ يَحْلِبُ وَأَحْلِبُ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الْقَسْمَ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ فَضَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ؟
قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَكَانَ إنْ هَلَكَتْ الْغَنَمُ الَّتِي في يَدِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ فيمَا بَقِيَ في يَدَيْهِ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا رَجُلٌ تَرَكَ فَضْلًا لِصَاحِبِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُقَاسَمَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا الْقَسْمِ لِأَنَّهُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ.
قُلْت: فَهَلْ يُقَسَّمُ الصُّوفُ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَا يَجُزَّانِهِ بِحَضْرَتِهِمَا وَإِلَى أَيَّامٍ قَرِيبَةٍ، يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فيهِ خَيْرٌ.

.في قِسْمَةِ الْجِذْعِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ وَالْخُفينِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالثِّيَابِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجِذْعَ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى قِسْمَتِهِ إلَى أَنْ يُقْطَعَ بَيْنَهُمَا وَأَبَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ؟
فَقَالَ: لَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الثَّوْبِ لَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْجِذْعُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْبَابُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْمِصْرَاعَانِ وَالْخُفَّانِ وَالنَّعْلَانِ، هِيَ مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ لَكَ في الثَّوْبِ وَالْخُفينِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ هَذِهِ الثِّيَابُ الْمُلَفَّقَةُ مِنْ الْعِرْقِيِّ وَالْمَرْوِيِّ وَالْمُلَفَّقِ هُوَ عِنْدَكَ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ السَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ؟
قَالَ: لَا تُقْسَمُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّحَا، هَلْ تُقَسَّمُ آخُذُ أَنَا حَجَرًا وَصَاحِبِي حَجَرًا؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ تُقَسَّمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْفَصُّ وَالْيَاقُوتَةُ وَاللُّؤْلُؤَةُ وَالْخَاتَمُ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا يُقْسَمُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ، إذَا اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ شَيْءٌ كَثِيرٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، أَتَجْمَعُهُ كُلَّهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَتَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ، أَمْ تَجْعَلُ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ بَيْنَهُمْ؟
قَالَ: بَلْ يُجْعَلُ كُلُّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَحْمِلُ الْقِسْمَةَ فيقْسَمُ بَيْنَهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَتَاعَ إذَا كَانَ خَزًّا أَوْ حَرِيرًا أَوْ دِيبَاجًا أَوْ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا أَوْ صُوفًا، أَيَجْمَعُهُ في الْقَسْمِ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا كَثِيرًا يَحْمِلُ الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَةٍ؟
قَالَ: هَذِهِ الثِّيَابُ كُلُّهَا تُجْمَعُ في الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْمِلُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْمَتَاعِ فِرَاءٌ؟
قَالَ: الْفِرَاءُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهَا بُسُطٌ وَوَسَائِدُ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُجْمَعَ هَذَا مَعَ الْبَزِّ وَالثِّيَابِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَتَاعٌ سِوَى الْبَزِّ.
قَالَ: وَالْبَزُّ أَيْضًا إذَا كَانَ في كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا سَأَلْتَ عَنْهُ مَا يَحْمِلُ الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَتِهِ قَسْمُهُ عَلَى حِدَةٍ.
قَالَ: وَلَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْغِرَارَتَيْنِ، أَيُقْسَمَانِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ؟
قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ فَسَادًا إنْ قُسِّمَ لَمْ أَقْسِمْهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فيهِ فَسَادٌ قَسَمْتُهُ مِثْلُ النَّعْلَيْنِ وَالْخُفينِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحَبْلَ، هَلْ يُقَسَّمُ إذَا أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا؟
قَالَ: لَا يُقَسَّمُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْخُرْجُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمِحْمَلَ، هَلْ يُقَسَّمُ إذَا أَبَى أَحَدُهُمَا ذَلِكَ؟
قَالَ: يُنْظَرُ فيهِ إلَى الْمَضَرَّةِ وَنُقْصَانِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ فيهِ نُقْصَانُ الثَّمَنِ وَمَضَرَّةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا يُقَسَّمُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا.

.في قِسْمَةِ الْجُبْنَةِ وَالطَّعَامِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجُبْنَةَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، أَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
تُقَسَّمُ وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَنْقَسِمُ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الطَّعَامِ: إنَّهُ يُقَسَّمُ، فَأَرَى هَذِهِ الْجُبْنَةَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ.

.في قِسْمَةِ الْأَرْضِ وَالْعُيُونِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ قَوْمًا وَرِثُوا أَرَضِينَ وَعُيُونًا كَثِيرَةً، فَأَرَادُوا قِسْمَةَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا نَصِيبَهُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مَنْ الْعُيُونِ وَالْأَرَضِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَعْطِنِي نَصِيبِي مَنْ كُلِّ عَيْنٍ وَمَنْ كُلِّ أَرْضٍ؟
قَالَ: إذَا اسْتَوَتْ الْعُيُونُ في سَقْيِهَا الْأَرْضَ وَاسْتَوَتْ الْأَرْضُ في الْكَرْمِ، وَكَانَتْ قَرِيبًا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَا يَكُونَ اخْتِلَافًا بَيِّنًا شَدِيدًا، قَسَّمْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعُيُونُ في سَقْيِهَا الْأَرْضَ وَغَزْرِهَا وَاخْتَلَفَتْ الْأَرْضُ في كَرْمِهَا، قَسَّمْتُ كُلَّ أَرْضٍ وَعُيُونَهَا عَلَى حِدَةٍ، بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ في الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ عِنْدَ مَالِكٍ.

.في بَيْعِ النَّخْلِ بِالنَّخْلِ وَفيهَا ثَمَرٌ قَدْ أَزْهَى أَوْ لَمْ يُزْهِ:

قُلْت: أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَبِيعَ نَخْلًا لِي فيهَا ثَمَرٌ قَدْ أَزْهَى أَوْ لَمْ يُزْهِ وَهُوَ طَلْعٌ بَعْدُ، بِنَخْلٍ لِرَجُلٍ فيهَا ثَمَرٌ قَدْ أَزْهَى أَوْ لَمْ يُزْهِ أَوْ هُوَ طَلْعٌ بَعْدُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْجِنَانَيْنِ أَوْ الْحَائِطَيْنِ، يَبِيعُ أَحَدُهُمَا جِنَانَهُ أَوْ حَائِطَهُ مِنْ النَّخْلِ بِجِنَانِ صَاحِبِهِ أَوْ بِحَائِطِ صَاحِبِهِ مِنْ النَّخْلِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ فيهَا ثَمَرٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فيهَا ثَمَرٌ فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ في إحْدَاهُمَا ثَمَرَةٌ وَالْأُخْرَى لَيْسَ فيهَا ثَمَرٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ ثَمَرَةُ الْحَائِطَيْنِ بَلَحًا أَوْ طَلْعًا أَوْ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ إذَا اشْتَرَطَا الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ.
قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الْحَائِطَ وَفيهِ الثَّمَرُ لَمْ يُؤَبَّرْ بَعْدُ، بِقَمْحٍ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ، فَإِذَا اشْتَرَطَا الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ، وَإِنْ تَبَايَعَا الْأَصْلَيْنِ بِغَيْرِ ثَمَرَتِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إذَا كَانَتْ ثَمَرَتُهُمَا قَدْ أُبِّرَتْ أَوْ كَانَتْ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا.
وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَتُهُمَا لَمْ تُؤَبَّرْ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَبَايَعَاهُمَا عَلَى حَالٍ، لَا إنْ كَانَتْ ثَمَرَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَائِطَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَلَا إنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فَهُوَ بَيْعُ ثَمَرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ بِثَمَرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ فَهُوَ الثَّمَرُ بِالثَّمَرِ إلَى أَجَلٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ حَائِطًا وَفيهِ ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فيسْتَثْنِي ثَمَرَهُ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبَايِعَ صَاحِبَهُ حَائِطَهُ بِحَائِطِهِ وَيَحْبِسَ ثَمَرَتَهُ، لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةُ أَحَدِهِمَا قَدْ أُبِّرَتْ وَثَمَرَةُ الْآخَرِ لَمْ تُؤَبَّرْ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ إحْدَاهُمَا بِصَاحِبَتِهَا إذَا كَانَتْ الَّتِي قَدْ أُبِّرَتْ لِصَاحِبِهَا، فَإِنْ اسْتَثْنَاهَا صَاحِبُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ فَلَا يَحِلُّ.
قُلْت: فَأَصْلُ مَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ هَذَا، أَنَّ النَّخْلَ إذَا كَانَ فيهَا طَلْعٌ أَوْ بَلَحٌ أَوْ بُسْرٌ أَوْ رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ، لَمْ يَصْلُحْ أَنْ تُبَاعَ تِلْكَ النَّخْلُ بِمَا في رُءُوسِهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ، وَيَجُوزُ بِالدَّرَاهِمِ وَبِالْعُرُوضِ كُلِّهَا؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنْ يَجُدَّا مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ وَيَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فيكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا بِالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وَرِثْنَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا وَفيهَا ثَمَرٌ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ أَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَهُوَ طَلْعٌ بَعْدُ، فَأَرَدْنَا أَنْ نُقَسِّمَ النَّخْلَ وَمَا في رُءُوسِهَا أَوْ الشَّجَرَ وَمَا في رُءُوسِهَا؟
قَالَ: يُقَسَّمُ النَّخْلُ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُقَسَّمُ مَا في رُءُوسِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَا نَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُقَسِّمَ النَّخْلَ وَمَا في رُءُوسِهَا مِنْ الرُّطَبِ بَيْنَنَا، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ حَاجَتُنَا إلَى الرُّطَبِ؟
قَالَ: يُقَسَّمُ إذًا بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، تُقَسَّمُ الْأَرْضُ عَلَى الْقِيمَةِ وَمَا في رُءُوسِ النَّخْلِ بِالْخَرْصِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَقْيُ نَخْلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَتُهَا لِصَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ مَنْ بَاعَ ثَمَرًا كَانَ عَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ سَقْيُ الثَّمَرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ ثَمَرِي في حَائِطِكَ كَانَ عَلَيْكَ سَقْيُ الْأَصْلِ، فيجْمَعُ مِنْ الْأَصْلِ لِكُلِّ رَجُلٍ حَقُّهُ في مَوْضِعٍ، وَيَكُونُ حَقُّهُ في الثَّمَرَةِ حَيْثُ وَقَعَ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ ذَلِكَ لَهُ في نَصِيبِ صَاحِبِهِ.
قُلْت: فَإِنْ وَرِثْنَا نَخْلًا فيهَا بَلَحٌ أَوْ طَلْعٌ، فَأَرَدْنَا أَنْ نُقَسِّمَ النَّخْلَ وَالْبَلَحَ؟
قَالَ: أَمَّا الْبَلَحُ وَالطَّلْعُ فَلَا يُقَسَّمُ عَلَى حَالٍ إلَّا أَنْ يَجُدَّاهُ أَوْ يُقَسِّمَا الرِّقَابَ بَيْنَهُمَا وَيَتْرُكَا الْبَلَحَ وَالطَّلْعَ حَتَّى يَطِيبَ، ثُمَّ إنْ أَرَادَا أَنْ يُقَسِّمَاهُ إذَا طَابَ اقْتَسَمَاهُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في هَذَا الْبَلَحِ.
قُلْت: وَلِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَسِمَا الْبَلَحَ في النَّخْلِ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ الزَّرْعَ، أَيَصْلُحُ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ مَعَ الْأَرْضِ إذَا وَرِثَا الزَّرْعَ وَالْأَرْضَ جَمِيعًا؟
قُلْت: لَا.
قَالَ: فَالْأَرْضُ وَالزَّرْعُ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ وَالْبَلَحِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ أَزْهَى مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ قَسَّمَهُ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا بِالْخَرْصِ.
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّرْعَ إذَا حُصِدَ وَصَارَ حَبًّا قَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِالْكَيْلِ، وَالْخَرْصُ في ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ فيهِ خَرْصٌ وَالنَّخْلُ فيهَا الْخَرْصُ، فَإِذَا طَابَ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بِالْخَرْصِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْفَوَاكِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّجَرَ غَيْرَ النَّخْلِ، هَلْ يُقَسَّمُ بِالْخَرْصِ مَا في رُءُوسِهَا إذَا طَابَ وَقَدْ وَرِثْنَاهَا وَمَا في رُءُوسِهَا؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَقَالَ: لَا يُقَسَّمُ بِالْخَرْصِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَسَّمُ بِالْخَرْصِ إلَّا الْعِنَبُ وَالنَّخْلُ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَيْسَ في شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ إلَّا فيهِمَا جَمِيعًا، فَجَعَلَ مَالِكٌ الْخَرْصَ فيهِمَا إذَا طَابَ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ في غَيْرِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَطِبْ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِالْخَرْصِ، وَإِنَّمَا يُقَسَّمُ إنْ أَرَادَا ذَلِكَ أَنْ يَجُدَّاهُ ثُمَّ يُقَسِّمَانِهِ كَيْلًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَرَثَةً وَتَرَكَ دَيْنًا عَلَى رِجَالٍ شَتَّى وَتَرَكَ عُرُوضًا لَيْسَتْ بِدَيْنٍ، فَاقْتَسَمَا، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ يَتَّبِعَ الْغُرَمَاءَ، وَأَخَذَ الْآخَرُ الْعُرُوضَ، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا وَجُمِعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْبُيُوعِ، أَنَّهُ قَالَ لَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ دَيْنًا عَلَى غَرِيمٍ غَائِبٍ إذَا كَانَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْت: هَلْ تُقَسَّمُ الدُّيُونُ عَلَى الرِّجَالِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقْتَسِمُونَ مَا كَانَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَلَا يُقَسِّمُ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصِيرُ ذِمَّةً بِذِمَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَبَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: الذِّمَّةُ بِالذِّمَّةِ مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا اقْتَسَمَ أَهْلُ الْمِيرَاثِ، فَادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ؟
قَالَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَى الْغَلَطَ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ، أَوْ يَتَفَاحَشُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ غَلَطٌ لَا يُشَكُّ فيهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَبِيعُ الثَّوْبَ مُرَابَحَةً، ثُمَّ يَأْتِي الْبَائِعُ فيدَّعِي وَهْمًا عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَأْتِيَ مِنْ رَقْمِ الثَّوْبِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْغَلَطِ، فيحْلِفُ الْبَائِعُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى الْغَلَطَ في قَسْمِ الْمِيرَاثِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمُوا فَادَّعَى بَعْضُهُمْ الْغَلَطَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، أَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا فَادَّعَى الْغَلَطَ يَقُولُ أَخْطَأْتُ، أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فيقُولُ أَخْطَأْتُ إنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَمْرٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ ثَوْبَهُ ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْقِسْمَةَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبُيُوعِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ في قَسْمِ الْمَوَارِيثِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ ذَلِكَ، أَيُحَلِّفُهُمْ لَهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمْنَا أَثْوَابًا وَرِثْنَاهَا، فَأَخَذْتُ أَنَا أَرْبَعَةً وَأَخَذَ صَاحِبِي سِتَّةً، ثُمَّ ادَّعَيْت أَنَّ ثَوْبًا مِنْهَا لِي في قِسْمَتِي وَأَنْكَرَ صَاحِبِي ذَلِكَ، أَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ بَيْنَنَا أَمْ تُحَلِّفُهُ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ جَائِزَةً؟
قَالَ: أُحَلِّفُهُ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ جَائِزَةً.
قُلْت: وَلِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الَّذِي ادَّعَى الثَّوْبَ الَّذِي في يَدَيْ صَاحِبِهِ، قَدْ أَقَرَّ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ يَدَّعِي ثَوْبًا مِمَّا في يَدَيْ صَاحِبِهِ، فَلَا يُصَدَّقُ، وَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ تُشْبِهُ مَا يَتَقَاسَمُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَحَلَفَ شَرِيكُهُ عَلَى الثَّوْبِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فيهِ.
قُلْت: وَلِمَ جَعَلْتَ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ في يَدَيْهِ الثَّوْبُ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَنْتَ تَقُولُ لَوْ أَنِّي بِعْتُ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ مِنْ رَجُلٍ، فَلَمَّا قَبَضَهَا جِئْتُهُ فَقُلْت لَهُ إنَّمَا بِعْتُكَ تِسْعَةَ أَثْوَابٍ وَغَلِطْتُ بِالْعَاشِرِ فَدَفَعْتُهُ إلَيْكَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ اشْتَرَيْتُ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا، وَالْأَثْوَابُ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا أَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا، فَالْقِسْمَةُ لِمَ لَا تَجْعَلُهَا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؟
قَالَ: لَا تَكُونُ الْقِسْمَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا صَارَ لَهُ وَحَازَهُ، لَمْ يَجُزْ قَوْلُ شَرِيكِهِ عَلَى مَا في يَدَيْهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا يَجُوزُ لَمْ يَشَأْ رَجُلٌ قَعَدَ بَعْدَمَا تَقَاسَمَ أَصْحَابُهُ أَنْ يَفْسَخَ الْقِسْمَةَ فيمَا بَيْنَهُمْ إلَّا فَعَلَ ذَلِكَ.
وَالْبَيْعُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ نِصْفَهَا أَوْ رُبُعَهَا، وَكَذَلِكَ في الْجَارِيَةِ وَكَذَلِكَ في الثِّيَابِ.
وَالْقِسْمَةُ إذَا تَحَاوَزَا فَالْقَوْلُ في الَّذِي حَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْلُهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ في ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْنَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي ادَّعَيْتُهُ، أَقَمْتُ أَنَا الْبَيِّنَةَ صَارَ لِي في الْقِسْمَةِ وَأَقَامَ صَاحِبِي أَيْضًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، لِمَنْ يَكُونُ؟
قَالَ: إذَا تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ في يَدَيْهِ الثَّوْبُ في رَأْيِي.
قُلْت: وَالْغَنَمُ بِمَنْزِلَةِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ الثِّيَابِ إذَا اقْتَسَمَاهَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ سَوَاءٌ.

.مَا جَاءَ في الرَّجُلَيْنِ يَقْتَسِمَانِ الدَّارَ فيدَّعِي أَحَدُهُمَا بَيْتًا بَعْدَ الْقَسْمِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمْنَا دَارًا فَاخْتَلَفْنَا في بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْبَيْتُ في يَدِ وَاحِدٍ مِنَّا فَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ كُلُّهَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ قَدْ حَازَ ذَلِكَ الْبَيْتَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَإِنْ أَبَى الْيَمِينَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جُعِلَ الْبَيْتُ لِصَاحِبِهِ الْآخَرِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ الْبَيْتُ إذَا أَبَى صَاحِبُهُ الْيَمِينَ إلَّا بَعْدَمَا يَحْلِفُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَمَّا مَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ في رَدِّ الْيَمِينِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ مَالًا وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، فيقَالُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ احْلِفْ وَابْرَأْ فينْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ، أَيُقْضَى بِالْمَالِ عَلَيْهِ أَمْ يَقُولُ السُّلْطَانُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ، وَإِلَّا لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ يَعْرِفُ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ، فَهَذَا يُشْبِهُ مَا أَخْبَرْتُكَ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا في الْبَيْتِ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ في الْقِسْمَةِ.

.مَا جَاءَ في الِاخْتِلَافِ في حَدِّ الْقِسْمَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَفَا في الْحَدِّ فيمَا بَيْنَهُمَا في الدَّارِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا الْحَدُّ مِنْ هَهُنَا وَدَفَعَ عَنْ جَانِبِهِ إلَى جَانِبِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ الْحَدُّ مِنْ هَهُنَا وَدَفَعَ عَنْ جَانِبِهِ إلَى جَانِبِ صَاحِبِهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَا قَسَمَا الْبُيُوتَ عَلَى حِدَةٍ وَالسَّاحَةَ عَلَى حِدَةٍ، تَحَالَفَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ في السَّاحَةِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ في الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا إنَّمَا هُوَ في الْحَدِّ وَفي السَّاحَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ في الْبُيُوعِ.
وَإِنْ كَانَا قَسَمَا في الْبُيُوتِ وَالسَّاحَةِ قَسْمًا وَاحِدًا، تَرَاضَيَا بِذَلِكَ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ اخْتَلَفَا فيهَا.

.في قِسْمَةِ الْوَصِيِّ مَالَ الصِّغَارِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْوَصِيَّ، هَلْ يُقَسِّمُ مَالَ الصِّغَارِ فيمَا بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الْمَيِّتُ إلَّا صِبْيَانًا صِغَارًا، وَأَوْصَى بِهِمْ وَبِتَرِكَتِهِ إلَى هَذَا الرَّجُلِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُقَسِّمَ الْوَصِيُّ مَالَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَلَا يُقَسِّمُ مَالَ الصِّغَارِ بَيْنَهُمْ إذَا كَانُوا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ، إلَّا السُّلْطَانُ إنْ رَأَى ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يُقَسِّمُ بَيْنَ الْأَصَاغِرِ أَحَدٌ إلَّا الْقَاضِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ وَتَرَكَ صِبْيَانًا صِغَارًا وَأَوْلَادًا كِبَارًا، أَلَيْسَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَرَثَةَ الْكِبَارَ لِلصِّغَارِ بِغَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ؟
قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي، لِأَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ، وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ حَلَفَتْ لَتُقَاسِمَنَّ إخْوَتَهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يُقَاسِمُوهَا.
فَقَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبْعَثَ مَنْ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي الْكِبَارَ لِلصِّغَارِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَالْإِصَابَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي هَؤُلَاءِ الْكِبَارَ لِلصِّغَارِ فَوَقَعَتْ سُهْمَانُ الْأَصَاغِرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَذَ الْكِبَارُ حَظَّهُمْ وَبَقِيَ حَظُّ الْأَصَاغِرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ فَهَلْ يُجْمَعُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُجْمَعُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَيَكُونُ سَهْمُ كُلِّ صَغِيرٍ مِنْهُمْ حَيْثُ وَقَعَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُجْمَعُ حَظُّ اثْنَيْنِ في الْقَسْمِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إذَا كَانَ في الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، أَتَجُوزُ عَلَى هَذَا الْغَائِبِ؟
قَالَ: لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا يُقَسِّمُ لِهَذَا الْغَائِبِ إلَّا السُّلْطَانُ.
وَإِنْ قَسَّمَ لِهَذَا الْغَائِبِ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
قُلْت: هَلْ يَبِيعُ الْوَصِيُّ الْعَقَارَ عَلَى الْيَتَامَى أَمْ لَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْمَلِكُ يُجَاوِرُهُ فيعْطِيَهُ الثَّمَنَ الْكَثِيرَ الْمَرْغُوبَ فيهِ، وَقَدْ أَضْعَفَ لَهُ في الثَّمَنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ لَيْسَ فيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يَحْمِلُ الْيَتِيمَ في نَفَقَةِ الْيَتِيمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ رَأَيْتُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ.
وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْيَتِيمِ إنْ كَبِرَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ نَصِيبَ الْغَائِبِ إذَا قَاسَمَ السُّلْطَانُ لَهُ، كَيْفَ يَصْنَعُ بِنَصِيبِهِ وَفي يَدِ مَنْ يَتْرُكُهُ؟
قَالَ: يَنْظُرُ في ذَلِكَ السُّلْطَانُ لِلْغَائِبِ، لِأَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْوَصِيِّ يَنْظُرُ بِالدَّيْنِ وَفي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ قَالَ: إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَهَذَا مِثْلُهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ في حَظِّ الْكِبَارِ شَيْءٌ أَنْ يَقُولَ: يُتْرَكُ نَصِيبُ هَذَا الْكَبِيرِ الْغَائِبِ في يَدِي حَتَّى يَقْدَمَ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ لِلْغَائِبِ السُّلْطَانُ.